«واشنطن بوست»: محاولات تعديل تاريخ العبودية بمواقع الحكومة الأمريكية تثير قلق الحقوقيين

«واشنطن بوست»: محاولات تعديل تاريخ العبودية بمواقع الحكومة الأمريكية تثير قلق الحقوقيين
الناشطة الشهيرة هارييت توبمان

أعادت خدمة المتنزهات الوطنية في الولايات المتحدة، محتوى الصفحة الإلكترونية المخصصة لتاريخ "السكة الحديدية تحت الأرض"، وذلك بعد موجة من الانتقادات إثر قيامها بحذف صورة بارزة للناشطة الشهيرة هارييت توبمان، ومقاطع من النصوص التي توثق معاناة الأمريكيين الأفارقة في ظل العبودية.

ووفقا لتقرير نشرته "واشنطن بوست"، اليوم الثلاثاء، أثارت التعديلات التي أجريت على الصفحة الرسمية غضبًا واسعًا، بعد أن أزيلت صورة توبمان، وهي من أبرز رموز حركة إلغاء الرق وحقوق المرأة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تغييب فقرات تسلط الضوء على فظائع العبودية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وكشفت الصحيفة أن التعديلات جاءت عقب صدور أمر تنفيذي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر الشهر الماضي، يوجه مؤسسة "سميثسونيان" بإزالة ما سماه "السرديات المثيرة للانقسام"، وهو ما أثار مخاوف من محاولة تبييض صفحات مؤلمة من التاريخ الأمريكي.

انتقادات تطول السياسة الثقافية

اتهم معارضون الرئيس ترامب بالسعي لتغيير الرواية التاريخية الأمريكية، لا سيما في ما يتعلق بالحقوق المدنية وتاريخ العبودية، كما شنّ حملة موسعة على السياسات المعروفة باسم "التنوع والإنصاف والشمول" (DEI)، والتي تطبق في المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية الأمريكية، واعتبرها نوعًا من "الاستبداد الفكري".

أشارت النصوص التي أُعيد نشرها إلى أن "السكة الحديدية تحت الأرض" تمثل شبكة من الجهود التي بذلها الأفارقة المستعبَدون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من أجل الهروب من الأسر ونيل الحرية، واعتُبرت هارييت توبمان من أشهر "القادة" الذين شاركوا في هذا النظام السري الذي أنقذ حياة آلاف الفارين.

ونقل تقرير "واشنطن بوست" عن موظفين اثنين في خدمة المتنزهات الوطنية، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما خشية الانتقام، أن بعض المسؤولين المعينين سياسيًا في وزارة الداخلية، وهي الجهة المشرفة على الوكالة، طلبوا من كبار الموظفين مراجعة الصفحات الإلكترونية وتحديد المحتويات التي قد تكون بحاجة إلى تعديل.

تحريف تاريخ الأمريكيين السود

رصدت الصحيفة تعديلات على عشرات الصفحات الإلكترونية التابعة لخدمة المتنزهات منذ تولي ترامب الحكم، حيث لوحظ حذف أو تخفيف في العبارات التي تتناول أحداثًا مفصلية من تاريخ البلاد، ومنها تقليل الإشارة إلى العبودية أو تعديل النصوص التي توثق نضال الأمريكيين السود من أجل حقوقهم المدنية، وحتى الإشارات إلى مظاهر التمييز العنصري المعاصرة.

ندد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماريلاند، السيناتور كريس فان هولن، بالتغييرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن "ترامب يحاول إعادة كتابة تاريخ السكة الحديدية تحت الأرض".

وأضاف: "هذا المسار جزء أساسي من القصة الأمريكية، ولا يمكن السماح له بمحو هذا الإرث ضمن مساعيه الأوسع لتشويه التاريخ".

وظهرت الصفحة الإلكترونية الخاصة بالسكة الحديدية تحت الأرض بعد استعادتها بشكل مطابق تقريبًا لنسختها الأصلية، حيث استعادت صورة توبمان والمحتوى الذي يبرز دورها المحوري في حركة تحرير العبيد، ومع ذلك، ما زالت بعض التعديلات الأخرى التي أشارت إليها الصحيفة على صفحات أخرى قائمة حتى الآن.

الذاكرة التاريخية وصراع الرواية

أوضحت أستاذة القانون في جامعة مينيسوتا ومؤلفة كتاب حديث حول دور النساء في النضال من أجل المساواة، جيل هاسداي، أن "الاحتفاء بالشخصيات النسائية البارزة كان دائمًا موضع نزاع منذ أكثر من مئة عام".

وأكدت أن "الذاكرة التاريخية تشكل طريقة تفكير الحاضر وتؤثر على توجهات المستقبل"، مضيفة: "لهذا السبب تثير (التخليدات التاريخية) كل هذا الجدل، لأنها ليست مجرد استحضار للماضي، بل هي انعكاس مباشر للواقع الحالي وما نطمح إليه في المستقبل".

وأشادت هاسداي بشخصية توبمان، قائلة: "هارييت توبمان من أعظم الشخصيات الأمريكية على الإطلاق، ومن غير المنطقي أن نحاول رواية قصة أمريكا من دون أن تكون في واجهتها".

تحذير من تزييف الوعي العام

علّق أستاذ القانون بجامعة ساوث كارولاينا، ديريك دبليو. بلاك، على القضية قائلاً إن "الصفحات الإلكترونية التابعة لخدمة المتنزهات تُعتبر مصدرًا أساسيًا لفهم المواطن الأمريكي العادي للمسار الذي سلكته البلاد".

وحذر من أن "الثقة الممنوحة لهذه الخدمة تتطلب تقديم معلومات دقيقة وموضوعية، وعندما تُخيب هذه الثقة من خلال تعديل الروايات، فإن ذلك يؤدي إلى بناء وعي زائف بالهوية الوطنية، ويجعل من الصعب مواجهة الحقائق الراهنة".

وشهد الشهر الماضي واقعة مشابهة حين أعيد نشر مقال على موقع وزارة الدفاع، كان يبرز الخدمة العسكرية لبطل البيسبول الأمريكي جاكي روبنسون خلال الحرب العالمية الثانية، بعد حذفه ضمن حملة واسعة ضد محتويات التنوع والشمول والمساواة (DEI)، كما أعيدت صفحة تكرّم الفوج القتالي 442، وهو وحدة من الأمريكيين اليابانيين شاركت في الحرب العالمية الثانية، بعد أن أثار حذفها ردود فعل غاضبة مماثلة.

ولم تصدر خدمة المتنزهات الوطنية أي تعليق فوري على القضية، لكنها أكدت، في بيان أدلت به لشبكة CNN، أن "التعديلات التي طرأت على صفحة سكة الحديد تحت الأرض نُفّذت دون موافقة قيادة الوكالة أو وزارة الداخلية، وقد تمت إعادة الصفحة إلى محتواها الأصلي فورًا".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية